فصل: مسألة بيع الثياب في الجراب بالبراءة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة



.مسألة عبد ابتاعه رجل فخرج بائعه إلى مكة ووجد المشتري بالعبد عيبا:

ومن كتاب أخذ يشرب خمرا:
قال: وسئل مالك: عن عبد ابتاعه رجل فخرج بائعه إلى مكة، ووجد المشتري بالعبد عيبا توقيفا في يده فأتى به السلطان فأشهد عليه، ثم إن الرجل قدم من مكة والعبد مريض، أترى أن يرده؟ قال: نعم، أرى أن يرده إلا أن يكون مرضا مخوفا.
قال عيسى بن دينار: قال لي ابن القاسم: فإن كان مرضا مخوفا استؤني به ما لم يدخل في ذلك ضرر، فإن كان برؤه قريبا رده، وإن كان مرضا يتطاول به أو هلك رد إليه قدر قيمة العيب.
قال محمد بن رشد: قول ابن القاسم في رواية عيسى عنه في المرض المخوف إنه يستاني به يريد إن رجي برؤه إلى مدة قريبة لا يكون في الاستيناء إليه ضرر، تفسير لقول مالك فإن برئ بالقرب رد، وهو معنى قوله: وإن كان برؤه قريبا رده، وإن لم يبرأ بالقرب وتطاول أمره أو هلك رد إليه قيمة العيب، ولو كان مرضه مرضا لا يرجى برؤه منه إلى مدة قريبة لم يستأن به على قياس قوله ورجع بقيمة العيب وفي نوازل سحنون في بعض الروايات أنه يرده مريضا، وإن كان مرضه مرضا مخوفا رده ورد معه ما نقصه عيب المرض المخوف، فقيل: إن الاختلاف في هذا جار على اختلافهم في جواز بيع المريض، وليس ذلك عندي بصحيح؛ لأن الاختلاف في ذلك إنما هو مع تراضي المتبايعين على ذلك، والمردود عليه بالعيب لا يرضى أن يأخذ عبدا مريضا يخشى عليه الموت، ويدل على ذلك أيضا قول مالك: إن المرض المخوف فوت في الرد بالعيب، مع أن مذهبه جواز بيعه، فهو دليل قوله في المدونة في كتاب بيع الخيار في الأمة تشترى بالخيار فتلد في أيام الخيار.
وظاهر قوله في كتاب الاستبراء منها وفي رسم الجواب من سماع عيسى بعد هذا وفي سماع، سحنون أيضا، ونص قول أصبغ في الثمانية قال: لا بأس ببيع المريض ما لم يقارب الموت أو ينزل به أسبابه من شدة المرض أو البلاء في جسده، مثل السل والمد ونحو ذلك، خلاف قول ابن الماجشون، واختيار ابن حبيب في أن بيعه لا يجوز إذا بلغ منه المرض مبلغا لو كان حرا لم يجز القضاء له إلا في ثلث ماله، وسحنون يميل أبدا إلى قول ابن الماجشون، فوجه قوله: إنه يرد بالعيب وإن كان مريضا مرضا مخوفا مراعاة قول من يرى الرد بالعيب نقض بيع، وأنه يرجع به إلى البائع المالك الأول. وبالله تعالى التوفيق.

.مسألة ابتاع جارية من رجل فزوجها فولدت له أولادا ثم وجد بها عيبا:

وسئل عن رجل ابتاع جارية من رجل فزوجها فولدت له أولادا، ثم وجد بها عيبا كان عند الأول، أترى ولادتها فوتا أو يردها بولدها إن شاء أو يمسك؟ فتفكر فيها، ثم قال: أرى إن أحب أن يردها ردها بولدها، وإن أحب أن يمسك أمسك، ولا أرى له في العيب شيئا.
قال عيسى: وسألت ابن القاسم عن هذا فقال: ذلك رأيي لم يكن قول ابن القاسم في كتاب سحنون.
قال محمد بن رشد: الزيادة في الرقيق في الرد بالعيب تنقسم على قسمين: زيادة في الحال، وزيادة في العين، فأما الزيادة في الحال مثل العبد والجارية يتخرجان أو يتعلمان الصناعات أو يفيدان الأموال، فهذا لا اختلاف فيه أنه ليس بفوت، والمشتري مخير بين أن يرد أو يمسك ولا شيء له؛ وأما الزيادة في العين، فتنقسم على ثلاثة أقسام: زيادة الولد، وزيادة الكبر، وزيادة السمن.
فأما زيادة الولد ففيها قولان؛ أحدهما: أن ذلك ليس بفوت وهو مخير بين أن يرد الجارية وولدها إن كانوا على ما قال في هذه الرواية، أو يردها ويجمع ثمنهم إن كان قد باعهم، على ما قال في رسم باع شاة من سماع عيسى، وبين أن يسمك ولا شيء له؛ والثاني: أنه فوت يكون فيه مخيرا بين أن يرد ويرد الأولاد أو ثمنهم إن كان باعهم وبين أن يسمك ويرجع بقيمة العيب، قاله ابن القاسم في سماع موسى بن معاوية إذا كان قد باع الأولاد، ولا فرق بين أن يبيعهم أو يكونوا قياما على هذا القول، كما لا فرق بين ذلك في القول الأول، وأصبغ يقول: إنه إذا باع الأولاد رد الأم وأخذ حصتها من الثمن كأن البيع وقع عليها معهم يوم ولدوا، وهو بعيد.
وأما زيادة الكبر ففيها أيضا قولان؛ أحدهما: أن ذلك فوت يكون المبتاع فيه مخيرا بين أن يرد أو يمسك ويرجع بقيمة العيب، وهو قول ابن حبيب في الواضحة وحكاه عن مالك؛ والثاني: أنه فوت يوجب له الرجوع بقيمة العيب، وليس له أن يرده إلى البائع إلا أن يرضاه، وهو الذي في المدونة، ولا فرق بين زيادة الولد، وزيادة الكبر فيحمل كل واحد منهما على صاحبه، ويدخل فيه من الاختلاف ما دخل فيه، فيكون في زيادة الولد ثلاثة أقوال وفي زيادة الكبر ثلاثة أقوال.
وأما زيادة السمن في الجواري فلم يره ابن القاسم فوتا إلا أن فيه أيضا قولين؛ لأن ابن حبيب يراه فوتا يوجب التخيير للمبتاع بين أن يرد أو يمسك ويرجع بقيمة العيب، ويدخل فيه القول الثالث بالمعنى، والله الموفق.

.مسألة بيع الرجل الأعداد من الكتان والبز:

ومن كتاب يسلف في المتاع والحيوان:
وسئل مالك: عن بيع الرجل الأعداد من الكتان والبز، تفتح فينظر إلى ثوبين أو ثلاثة أو رطل من الكتان أو رطلين، فيوجد الذي بعده لا يشبهه، قال مالك: إن الأعدال يكون أولها أفضل من آخرها، فإذا فتح العدل فجاء ذلك صنف واحد أو بعضه قريب من بعض، فإن كان الأول الذي نظر إليه هو أجود إلا أنه صنفه أو قريب منه، فإني أرى البيع جائزا عليه، ومثل ذلك الرجل يشتري البيت فيه تمر أو قمح فيكون أوله خيرا من آخره، فإذا جاء في ذلك تغير قريب رأيت ذلك جائزا، وإن جاء أمر فاسد رأيت أن يرد عليه.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة مبينة لما في المدونة وغيرها؛ لأن العرف كالشرط عليه يدخل المتبايعان فلا قيام للمبتاع إلا فيما تفاحش وخرج عن العرف.

.مسألة يقدم البلد بالكتان وما أشبهه من المتاع فتكون تلك السلعة من سلع الفسطاط:

وسئل: عن الذي يقدم البلد بالكتان وما أشبهه من المتاع فتكون تلك السلعة من سلع الفسطاط، ويكون لها عمال معروفون بأعمالهم فيقدم بها الرجل البلد، فيقول له بعض من يشتري منه من عمل من اشتريت؟ فيقول: من عمل فلان، وهو عمل قد عرفوه، فيشترونه منه ولا يفتحونه ولا ينظرون إليه.
قال مالك: لا أحب لهم أن يشتروا حتى يفتحوه وينظروا إلى شيء منه.
محمد بن أحمد: وهذا كما قال: إن الاختيار ألا يشتروه حتى يفتحوه وينظروا إليه، فإن لم يفعلوا جاز؛ لأنهم إنما اشتروا على ما قد عرفوه وعاينوه، فلا يشبه شراء ذلك على الصفة؛ لأن الشراء على الصفة غرر، إذ لا تقوم الصفة مقام العيان، وإنما جاز عند الضرورة لبيع السلعة الغائبة إذ لا يمكن فيها المعاينة، وكبيع الأحمال على البرنامج لما في حلها ونشرها على السوام من الضرر على أرباب المتاع، وبالله التوفيق.

.مسألة بيع الثياب في الجراب بالبراءة:

وقال مالك في بيع الثياب في الجراب بالبراءة: لا خير فيه، وهو مما لا يستطاع أن تدرك معرفته، فلذلك رأيت البراءة لا ينتفع بها فيه إلا أن يكون الشيء غير المضر ولا المفسد.
قال محمد بن رشد: يحتمل أن يريد ببيع الثياب في الجراب بيع الأعدال في لفائفها أو أوعيتها على صفة البرنامج، ويحتمل أن يريد بذلك بيع الثوب الرفيع في جرابه الذي يفسده ويغيره إخراجه من جرابه ونشره؛ لأن هذا أجيز بيعه على الصفة لهذه الضرورة على اختلاف في ذلك، وقال: إنه لا خير في البراءة في ذلك من أجل أن معرفته غير مدركة، والمعنى في ذلك: أنه لما كان بيع البراءة إنما جاز من أجل أنه يلزمه أن يبين ما علم ولا يبرأ إلا مما لم يعلم، كره أن يبيع بالبراءة ما يجهل عيوبه، ورأى عيوب الثياب المبيعة على هذه الصفة مما يخفى على البائع ولا تدرك معرفتها فكره البراءة فيها لذلك، وقال: إنها إن وقعت برئ من الشيء اليسير مراعاة لقول من رأى أن البراءة نافعة فيها في القليل والكثير، وهو قول جماعة من السلف وقول ابن وهب من أصحاب مالك واختيار ابن حبيب، وقد كان مالك يراها في الرقيق والحيوان، قاله في موطأه، ثم رجع إلى أنها لا تجوز إلا في الرقيق وحده، وبالله التوفيق.

.مسألة أيام العهدة في الاستبراء متى هي:

ومن كتاب أوله اغتسل على غير نية:
وسئل مالك: عن أيام العهدة في الاستبراء متى هي، أبعد الاستبراء أم قبله؟ قال: من يوم تباع تدخل في الاستبراء، ليس بعد الاستبراء عهدة.
قال محمد بن رشد: مثل هذا في رسم الأقضية من سماع أشهب، وإنما هذا إذا أقامت في الحيضة ثلاث ليال أو أزيد، وأما إن كان الاستبراء أقل من ثلاث فلابد من تمام عهدة الثلاث، ولا تدخل عهدة الثلاث في عهدة السنة، قاله مالك في رسم الأقضية المذكور من سماع أشهب.
والفرق على قوله بين دخولها في الاستبراء، ودخولها في عهدة السنة أن عهدة الثلاث والاستبراء يتفقان في أن الضمان فيهما من البائع في كل شيء، فوجب أن يدخل الأقل منهما في الأكثر، وعهدة السنة إنما هي من الجنون والجذام خاصة فلم يدخل فيها الاستبراء ولا عهدة الثلاث.
وقد قال مالك في الواضحة إن عهدة السنة من يوم عقد البيع، وقاله ابن الماجشون في كتاب ابن المواز، ووجه هذا القول أنه لما كان الاستبراء وعهدة الثلاث وعهدة السنة يتفقان في الجذام والبرص وجب أن يدخل الأقل من ذلك في الأكثر فيما يتفقان فيه، وذهب المشايخ السبعة إلى أن عهدة الثلاث بعد الحيضة، فأحرى على قولهم أن تكون عهدة السنة بعد الاستبراء وبعد عهدة الثلاث، فيتحصل في المسألة ثلاثة أقوال؛ أحدها: أن العهدتين والاستبراء لا يدخل شيء من ذلك في شيء ويبدأ بالاستبراء، ثم عهدة الثلاث ثم عهدة السنة، وهو قول المشايخ السبعة، والثاني: أنهن يتداخلن جميعا فيكون الاستبراء وعهدة الثلاث وعهدة السنة كلها من يوم عقد البيع، وهو قول مالك في الواضحة، وقول ابن الماجشون في كتاب ابن المواز، والثالث: أن الاستبراء وعهدة الثلاث يتداخلان جميعا فيكونان من يوم البيع وعهدة السنة بعد تمامها جميعا، وهو قول مالك في سماع أشهب ودليل قوله في هذه الرواية، وبالله التوفيق.

.مسألة يشتري الجارية الفاره فإذا هي لقية:

ومن كتاب البز:
وسئل مالك: عن الرجل يشتري الجارية الفاره فإذا هي لقية أتراه عيبا ترد به؟ قال لي: نعم أرى ذلك.
قال محمد بن رشد: ظاهر قوله: أن غير الفاره لا ترد بذلك، ومثله في رسم الأقضية الآخر من سماع أشهب، وفي رسم الأقضية الثاني منه أن الرد لا يجب بذلك إلا أن يشترط الرشدة، وابن القاسم يرى الرد في ذلك في الفاره، وغير الفاره وإن لم يشترط، فهي ثلاثة أقوال.

.مسألة باع ثوبا فوجد به المبتاع خرقا فزعم البائع أنه قد بينه له وأنكر المبتاع:

وسئل مالك: عن رجل باع ثوبا فوجد به المبتاع خرقا فزعم البائع أنه قد بينه له وأنكر المبتاع، أترى أن يحلف في هذا عند المنبر؟ قال: لا أرى أن يحلف عند المنبر إلا في ربع دينار فصاعدا.
قال محمد بن رشد: ظاهر هذا أنه لا يحلف عند المنبر إلا أن تكون قيمة العيب ربع دينار، وقد روي ذلك عن ابن المواز، وهو بعيد؛ لأنه يجب عليه إذا اختلف المتبايعان فقال البائع: بعت بعشرة دراهم وقال المبتاع: بل ابتعت بتسعة دراهم ألا يحلفا عند المنبر، وذلك لا يصح؛ لأن اليمين إنما هي في فسخ بيع الثوب وثمنه أكثر من ربع دينار، فكذلك الثوب المعيب إنما ينظر إلى قيمته؛ لأنه هو الذي يرد لا إلى قيمة عيبه، فينبغي أن يعدل بالكلام عن ظاهره فيقال: معنى قوله: إلا في ربع دينار فصاعدا، أن تكون قيمة الثوب الذي فيه العيب ربع دينار فصاعدا لا قيمة العيب، أو يقال: معناه إذا فات الثوب ووجب الرجوع بقيمة العيب، وبالله التوفيق.

.مسألة يشتري الدابة فيسافر عليها فيجد بها عيبا في سفره:

ومن كتاب أوله نذر سنة يصومها:
وسئل مالك: عن الرجل يشتري الدابة فيسافر عليها فيجد بها عيبا في سفره، ثم يقدم بها وهي على حالها، أله أن يردها؟ قال: نعم ذلك له.
قيل له: وإن ركبها؟ قال: نعم.
قيل: أفترى عليه في ركوبها شيئا؟ قال: لا، الحاضر قد يركب فيجد العيب فلا يكون عليه في ركوبها شيء، يريد قبل أن يجد.
قال ابن القاسم: وأما المسافر يجد العيب في سفره فليس عليه في ركوبها شيء وليس عليه أن يتكارى عليها من يقودها، ولكن إذا أتى بها على حالها ردها ولم يضره ركوبها، فإن عجفت في سفره كان بالخيار، إن أحب أن يردها ويغرم ما نقص العجف منها، أو يمسكها ويأخذ قيمة العيب.
وأما الحاضر فإنه إن ركبها ركوب احتباس لها بعد أن يجد العيب وإقامته عليها لزمته؛ لأن ذلك رضي منه بالعيب، فأما إن كان يركبها ليردها عليه وما أشبهه فلا شيء عليه في ركوبها وليردها.
قال محمد بن رشد: ابن القاسم يجيز للمشتري إذا وجد العيب بالدابة اشتراها في سفره أن يمضي في سفره ويركبها ولا يوجب عليه الرجوع بها إلا أن يكون قريبا لا مؤنة عليه في الرجوع، ويستحب له أن يشهد أن ركوبه إياها ليس برضى منه بالعيب، فإن لم يفعل لم يضره ذلك وكان له ردها، هو ظاهر قول مالك في هذه الرواية ومعناه.
وابن كنانة يقول: إنه إذا وجد العيب بالدابة في سفره فليشهد عليه ويردها ولا يركبها في ردها ألا أن يكون بين قريتين فيبلغ عليها إلى القرية ليشهد؛ وابن نافع يقول في المدنية: إنه لا يركبها ولا يحمل عليها إلا ألا يجد من ركوبها أو الحمل عليها بدا في السفر أو الغزو، فليشهد على ذلك ويركب أو يحمل حتى إلى الموضع الذي لا يجوز له أن يركبها فيه، يعني حتى يجد حكما وبينة تشهد له بذلك الموضع بما يستوجب ردها به، فاعرف أنها ثلاثة أقوال في ركوبها إذا وجد العيب بها في السفر، وأما في الحضر فليس له أن يركبها بعد وجود العيب بها إلا في ردها.
وقال ابن حبيب: إن ألجأ بائعها إلى الخصومة فيها فلا بأس أن يركبها في مكانه بالمعروف حتى يحكم له بردها؛ لأن عليه النفقة ومنه الضمان، وكذلك العبد والأمة له أن يستخدمهما بالمعروف، وليس له أن يطأ الأمة ولا يتلذذ بشيء من أمرها ولا يلبس الثوب إن كان الذي وجد العيب به ثوبا، فإن فعل كان رضى منه بالعيب، وليس على من وجد عيبا بدابة اشتراها في غير البلد الذي اشتراها فيه أن يردها إلى البلد الذي فيه صاحبها إلا ألا يجد السبيل إلى ردها عليه حيث هي لعدم بينة أو حكم، والسلعة بخلاف ذلك لما لزمه عن الكراء عليها في حملها من بلد إلى بلد.
وروى أبو قرة عن مالك أنه إن دعاه صاحبها إلى ردها كان بالخيار بين أن يردها أو يأخذ قيمة العيب، وكذلك من اشترى سلعة ثقيلة لابد من الكراء عليها فلما حملها من دار البائع أو من الموضع الذي اشتريت فيه للبيع إلى داره وجد بها عيبا كان مخيرا بين أن يردها إلى الموضع الذي اشتراها فيه أو يمسكها ويرجع بقيمة العيب، إلا أن يرضى البائع أن يأخذها حيث هي ويؤدي إليه ما غرم في حملها فلا يكون للمبتاع أن يمسكها ويرجع بقيمة العيب، وإن كان البائع دلس له بالعيب لزمه أن يأخذها من دار المبتاع ويؤدي إليه أيضا ما غرم على حملها؛ لأنه غره في ذلك، وسواء في حمل السلعة من بلد إلى بلد دلس له بالعيب أم لم يدلس.
والفرق بين الموضعين أن الذي يشتري الخابية وشبهها إنما يشتريها لحملها إلى داره قد علم ذلك البائع، فوجب أن يفرق في ذلك بين التدليس وغير التدليس، كالذي يشتري الثوب فيقطعه قطعا يقطع مثله، ثم يجد به عيبا وقد نقصه القطع، وبالله تعالى التوفيق.

.مسألة باع متاعا بالبراءة:

ومن كتاب أوله كتب عليه ذكر حق:
قال مالك: من باع متاعا بالبراءة لم تنفعه البراءة فيه إلا أن يكون الشيء التافه غير المضر ولا المفسد يوجد في الثوب أو في العكم فلا أرى أن يرد، فأما كل شيء مفسد مثل الخرق وما أشبهه، وكل ما كان مضرا بالثياب فإني أرى أن ترد عليه، وإن تبرأ منه بائعه، ولا ينفعه فيه، والجواب مثل ذلك.
قال محمد بن رشد: قد مضى الكلام في هذه المسألة في رسم يسلف في المبتاع فلا معنى لإعادته، وبالله تعالى التوفيق. لا إله إلا الله ولا معبود سواه.

.مسألة الثياب إذا بيعت بالبراءة:

ومن كتاب مرض وله أم ولد فحاضت:
قال مالك في الثياب إذا بيعت بالبراءة مثل الأعكام وغيرها فتوجد فيها عيوب، قال: إن كانت عيوب مفسدة، فلا أرى البراءة تنفعه، وإن كان خفيفا رأيت ذلك ينفعه في البيع.
قال محمد بن رشد: إنما خففه في اليسير؛ لأن ربيعة وغيره أجازه في القليل والكثير المفسد وغير المفسد، وقد مضى ذلك في رسم يسلف فلا معنى لإعادته والحمد لله.

.مسألة يبيع الفرس فيجد المشتري به رهصة فيريد رده:

ومن كتاب مساجد القبائل:
وسئل مالك: عن الرجل يبيع الفرس فيجد المشتري به رهصة فيريد رده ويقول البائع: اركبه فإنها تذهب إلى يوم أو يومين قال: ليس به عيب، قال ابن القاسم: يركب ويرده إن شاء.
قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله أنه لا يلزمه أن ينتظر زوال العيب ولعله لا يزول، فإن زال قبل أن يحكم له برده لزمه إلا أن يكون عيبا تخشى عاقبته بعد برئه فيكون له أن يرده وإن برئ.

.مسألة بسم الله الرحمن الرحيم صلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم. رب أعن:

.مسألة يشتري العبد بالبراءة:

من سماع أشهب وابن نافع من مالك من كتاب البيوع الأول قال سحنون: أخبرني أشهب وابن نافع قالا: سئل مالك: عن الذي يشتري العبد بالبراءة أيبيعه بيع الإسلام وعهدة الإسلام ولا يخبرهم أنه اشتراه بالبراءة؟ قال: لا حتى يخبرهم أنه اشتراه بالبراءة.
قال محمد بن رشد: الاختيار أن يبيع بالبراءة من اشترى بالبراءة، وأن يبيع بيع الإسلام وعهدة الإسلام من اشترى بيع الإسلام وعهدة الإسلام، فإن باع بيع الإسلام وعهدة الإسلام من اشترى بالبراءة دون أن يبين أنه اشترى بالبراءة فهو مدلس بعيب؛ لأنه إن أعدم ووجد المشتري بالعبد عيبا لم يكن له أن يرده على الذي باعه منه من أجل أنه باع بيع براءة، فذلك عيب فيما اشترى يكون فيه مخيرا بين أن يمسكه أو يرده ولا خلاف في هذا الوجه.
وأما إذا باع بالبراءة وقد اشترى بيع الإسلام وعهدة الإسلام فهو بيع فيه غرر؛ لأنه ترك أن يكشف عما بالعبد الذي اشترى من العيوب التي يجب له بها القيام على من باعه ليلزم ذلك من باع منه بيع براءة فأضر من باع منه ونفع من ابتاع بمجهول لا يعلم قدره، واختلف في ذلك قول مالك، فله قرب آخر هذا الرسم أنه بيع فاسد يفسخ، وله في نوازل سحنون من كتاب الاستبراء إن ذلك يكره ولا يرد إذا وقع، ووقع ذلك أيضا في نوازل سحنون من هذا الكتاب في بعض الروايات.

.مسألة ابتاع سمنا بدينار واستوجبه فإذا هو سمن بقر:

وسئل مالك: عمن ابتاع سمنا بدينار واستوجبه فإذا هو سمن بقر فقال: والله ما أردت إلا سمن غنم، أله أن يرده؟ قال: نعم له أن يرده.
قال محمد بن رشد: إنما أوجب له الرد؛ لأنه رأى أن سمن الغنم أطيب وأفضل من سمن البقر، وكذلك قال في هذا الرسم من هذا السماع من كتاب جامع البيوع إن سمن الغنم ولبنها وزبدها أجود وأطيب من الذي من البقر، وذلك خلاف ما عندنا من أن سمن البقر أفضل من سمن الغنم.
فعلى ما عندنا ليس له أن يرد؛ لأنه وجد أفضل الصنفين، وهذا إذا كان سمن الغنم هو الغالب في البلد أو كانا متساويين فيه، فعلى رواية أشهب هذه كل شيء يباع من جنسين متساويين في البلد فالبيع يقع على أفضلهما، فإن وجد الأدنى كان له أن يرده، وإن وجد الأفضل لم يكن له أن يرده إلا أن يكون اشترى على أنه من الصنف الأدنى فوجده من الصنف الأعلى، فيكون له أن يرده بشرطه إذا كان لاشتراطه وجه، كمن اشترى عبدا على أنه نصراني فوجده مسلما فيكون له أن يرده إن قال: إنما اشترطت نصرانيا لأزوجه أمة لي نصرانية أو ليمين علي ألا أشتري مسلما وما أشبه ذلك مما يذكره ويكون له وجه على ما قال في رسم الجواب من سماع عيسى.
ولابن حبيب في الواضحة خلاف رواية أشهب هذه، قال: ومن اشترى أمة أو عبدا فألفاه روميا وما أشبهه من الأجناس التي يكرهها الناس ولم يكن ذكر له جنسه، فليس له أن يرده إلا أن يكون البائع نسبه إلى جنس فألفاه من جنس غيره أدنى عند الناس فله أن يرده، وبالله التوفيق.

.مسألة باعوا رقيقا في ميراث فأرادوا أن يكتبوا على أحد البائعين دون أصحابه:

وسئل مالك: عن قوم باعوا رقيقا في ميراث فأراد المشترون أن يكتبوا على أحد البائعين دون أصحابه فأبى ذلك عليهم، وقال: إنما بعناكم جميعا فلا أكتب لكم إلا جميعا.
فقالوا: إنا نريد أن تكتب لنا نصيبك من ذلك، فقال مالك: ما وجه ما كنا نعرف إلا أن يكتبوا عليهم جميعا.
قال محمد بن رشد: الذي يوجبه القياس والنظر أن لا امتناع له من أن يكتبوا عليه ما يصيبه من الثمن الذي قبضه؛ لأن من حقهم أن يقولوا: نحن نثق بسواك من البائعين فلا حاجة بنا إلى الإشهاد عليهم، ومن حقنا أن نشهد عليك بما يصيبك من الثمن، ولا يضرك ترك إشهادنا على سواك ممن باع معك ببقيته.
ووجه ما ذهب إليه مالك أنه قد يطرأ غريم بدين له على الميت، فإذا وجد الكتاب عليه بما ابتاع من تركة الميت كان من حقه أن يأخذ حقه منه ويقول له: ارجع على من باع معك ولعلهم ينكرونه، فإذا وجد الكتاب عليهم جميعا أخذ دينه منهم جميعا، وهذا استحسان؛ لأن من حقهم أن يقولوا له: إن كنت تخاف هذا فحصن لنفسك بالإشهاد على من باع تركة الميت معك، وأما نحن فلا حاجة لنا في الإشهاد عليهم، وبالله التوفيق.

.مسألة العبد يباع بيع الإسلام وعهدة الإسلام:

وسألت مالكا: عن العبد يباع بيع الإسلام وعهدة الإسلام بالبراءة من الإباق فيأبق في عهدة الثلاث، فقال لي: أراه من البائع حتى يعلم أن قد خرج من الثلاث ولم يصبه عطب؛ لأني لا أدري لعله مات في عهدة الثلاث التي يكون فيها من البائع، فأما إباقه في الثلاث فليس له على البائع حجة في ذلك، فأراه من البائع حتى يعلم أنه قد خرج من الثلاثة سالما فإذا علم ذلك كان من المبتاع.
ومن ذلك أن يوجد بعد الثلاث بيوم أو يومين فلا يكون للمبتاع رده على البائع وتكون عهدة الثلاث قد مضت على البائع وبرئ منها، وليس عليه أن يضرب فيه عهدة ثلاث أخرى من يوم يوجد، وكذلك لو وجده بعد شهر أراه يرجع إلى المبتاع ولا يكون له في الإباق على البائع شيء؛ لأنه قد تبرأ من الإباق.
قال: فقلت له: أرأيت إذا أبق في عهدة الثلاث فرأيته من البائع؛ لأنك لا تدري لعله قد تلف في الثلاثة أيرجع عليه بالثمن من ساعته فيؤخذ منه أم يضرب لذلك أجل حتى يعلم خروج العبد من الثلاثة سالما أو عطبا؟ فقال لي: بل أرى أن يضرب لذلك أجل حتى يتبين من أمر العبد، فإن علم أنه قد خرج من الثلاثة سالما لم يكن على البائع منه شيء وكان ضمانه من المشتري، وإن لم يعلم ذلك كان من البائع؛ لأنه لا يدري لعله عطب في الثلاثة، فهو أبدا في الثلاثة من البائع حتى يعلم أنه قد خرج منها سالما.
قال محمد بن رشد: قد مضت هذه المسألة والقول فيها مستوفى في رسم طلق بن حبيب من سماع ابن القاسم فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق.

.مسألة ابتاع رأسا وقبضه وصار منه وضمنه:

وسألت مالكا: كمن ابتاع رأسا وقبضه وصار منه وضمنه، أو كانت جارية فتواضعاها، ثم قبضها حين حاضت، فبقيت عند المشتري ما شاء الله من الزمان، ثم ظهر منها أو منه على عيب يرد منه، فرده أو ردها بذلك العيب، أيكون على الذي رد ذلك العبد أو الجارية في واحد منهما عهدة؟ قال لي: أما عهدة فلا عهدة عليه في واحد منهما، فإن كان ذلك عبدا رده على البائع ولا عهدة فيه وهو من البائع، وإن كانت جارية فلا عهدة فيها أيضا إلا أن ينتظر بها الحيضة ثم يدفع إليه، ولا عهدة عليه في ذلك، وإنما ينتظر بها الحيضة إذا كانت من الجواري المرتفعات ذوات الأثمان اللاتي إنما يبتعن للوطء، فأما إن كانت من وخش الرقيق ليست من المرتفعات ردت على البائع ولم ينتظر بها حيضة ولا غيرها.
قال: قلت لمالك: أرأيت إن كانت من الجواري المرتفعات فوضعت للحيضة فتلفت قبل الحيضة، ممن ترى ضمانها؟ قال: أرى ضمانها من البائع الذي ردت عليه، وإنما وضعت ليعلم أحامل هي أم لا، فإذا ماتت ولم يتبين بها حمل فأراها من البائع الذي ردت عليه، وإن لم تحض حتى ماتت أو تلفت، قال: فقلت لمالك: إنها إنما أقامت عند المشتري أشهرا، ثم علم بالعيب فردها فوضعت للحيضة، فقال: نعم لا عهدة فيها على المشتري، وضمانها من البائع الذي ردت عليه، إلا أنها توقف حتى يعلم أنها حبلى أم لا، فإن ماتت فضمانها من البائع الذي ردت عليه، قيل له: أرأيت إن كان المشتري قد أصاب الجارية، ثم ظهر منها على عيب فردها على البائع على من ضمانها؟ فقال: ضمانها على البائع المردودة عليه الجارية إن ماتت قبل أن تحيض، إنما توضع فإن كانت غير حامل فإنما هي للبائع وضمانها عليه، وإن كانت حاملا لزمت المشتري ويرد عليه ما نقص العيب من ثمنها.
قال محمد بن رشد: رواية أشهب هذه عن مالك مثل قوله في كتاب الاستبراء من المدونة: إن الرد بالعيب نقض بيع وليس هو ابتداء بيع؛ لأنه لم ير على المبتاع في الجارية مواضعة، وإن وطئ، ورأى ضمانها من البائع، وجعله ابن القاسم فيه ابتداء بيع؛ لأنه رأى المواضعة على المبتاع في الجارية إذا ردها بالعيب بعد أن خرجت من الحيضة وإن لم يطأ، وروي ذلك عن مالك، فكذلك تكون عليه عهدة الثلاث والسنة على قياس هذا القول.
وقد رأيت لابن دحون أنه قال: لم يختلف ابن القاسم وأشهب في أن الراد ليست عليه عهدة ثلاث ولا سنة، وإنما اختلفا في الاستبراء على من هو، فابن القاسم يقول: هو على الراد، وأشهب يقول: هو على المردود عليه، فكأنه ذهب إلى أنه لا اختلاف بينهما في أن الرد بالعيب نقض بيع إذ لم يختلفوا على زعمه في أنه لا عهدة ثلاث ولا سنة على المبتاع، وإنما أوجب ابن القاسم المواضعة عليه وجعل الضمان منه إذا ردها بعد أن خرجت من الحيضة، وإن كان لم يطأ فقد حكم له بحكم البائع ابتداء، هذا مما لا إشكال فيه.
ومما يدل على صحة الاختلاف في الرد بالعيب هل هو نقض بيع أو ابتداء بيع اختلافهم؛ في الذي يعتق عبده وعليه دين يغترقه فيرد السلطان عتقه ويبيعه عليه في الدين، ثم يجد المشتري به عيبا قديما قد علمه البائع فيرده عليه وقد أفاد مالا، هل يعتق عليه بالعتق الذي كان أعتقه أم لا؟ فمن رأى الرد بالعيب نقض بيع قال: إنه يعتق عليه؛ لأنه قد رجع إليه على الملك الأول وانتقض البيع فكأن لم يكن، قال ذلك ابن القاسم في المدونة، وهو رجوع منه إلى مذهب أشهب، ومن رأى الرد بالعيب ابتداء بيع قال: إنه لا يعتق عليه؛ لأنه ملك مبتدأ حادث، روي ذلك عن أشهب، وهو رجوع منه إلى مذهب ابن القاسم، فهو أصل اضطربا فيه جميعا، ويأتي الاختلاف أيضا في غير ما مسألة، ووجه قول مالك في رواية أشهب هذه عنه أن ضمان الجارية من البائع إذا ماتت في استبرائها قبل أن يظهر بها حمل، وإن كان المبتاع قد وطئها هو أنه يحملها على السلامة من الحمل، وابن القاسم يخالفه في ذلك ويحملها على الحمل من ذلك الوطء حتى تظهر البراءة منه، فيرى الضمان منه إذا ماتت في استبرائها، وإن كان الملك قد صح وثبت لغيره، قاله في سماع ابن القاسم من كتاب الاستحقاق في الذي يستحق أمة له عند رجل اشتراها ويقيم عليها البينة فتموت بعد ذلك أن مصيبتها منه ويرجع المبتاع بالثمن على البائع إلا أن يكون قد وطئ فتكون المصيبة منه من أجل أن ماءه فيها، ويرجع المستحق على البائع بالأكثر من القيمة والثمن إن كان غاصبا فلا يختلف قول ابن القاسم في أن ضمان الجارية المردودة بالعيب من المبتاع إذا كان قد وطئها وماتت في استبرائها، وإن كان قد اختلف قوله في الرد بالعيب هل هو نقض بيع أو ابتداء بيع على ما بيناه، ويلزم على قياس قول أشهب فيمن اشترى جارية رفيعة أو وضيعة وقد وطئها البائع فماتت في المواضعة قبل أن يظهر بها حمل أن ضمانها من المبتاع، وبالله تعالى التوفيق.